«القتلة».. لا كوميديا ولا أكشن .. ولكنه «مولد وصاحبه غايب»

  • مقال
  • 11:52 مساءً - 7 اغسطس 2010
  • 2 صورتين



صورة 1 / 2:
مشهد من الفيلم
صورة 2 / 2:
مشهد من الفيلم

ليست الأفلام بالأفكار أو الأنواع ولكنها بالمعالجات المختلفة التي تجعلك تشاهد الأشياء كأنك تراها لأول مرة مع أنك تراها كل يوم. « وليم شيكسبير» العظيم نفسه اعتمد علي التاريخ وعلي الحكايات المروية ولكنه جعل منها شيئاً أقوي بكثير من الأصل الذي أخذت عنه، ومن عيوب الأفلام عموماً أن تأخذ فكرة جيدة فتترجمها من خلال معالجة ضعيفة وهزيلة، وهذه مشكلة فيلم ( Killers) (القتلة) الذي أخرجه « روبرت لوكتيك».
الفكرة مكررة وقدمت في معالجات كثيرة ناجحة عن تلك المرأة التي تكتشف بعد الزواج أنها اقترنت برجل مطارد ومعرض للقتل سواء كان خارجاً عن القانون أو عميلاً لأجهزة الاستخبارات في مهمة صعبة، أو خارجاً عن تلك الأجهزة والمطلوب تصفيته، ولكن فيلم «القتلة» كما شاهدناه حائر في معالجته فلا هو كوميديا يستنزف إمكانيات الفكرة الثرية حتي النهاية، ولا هو فيلم «أكشن» يقدم بناء متماسكاًَ يمكن تصديقه. بدأنا كفيلم كوميدي رومانسي أكشن، ثم انتهينا أكشن كوميديا رومانسي، إنه نموذج لفكرة مولد الدراما دون إشباع أي خط، وبكم هائل من الثغرات في كل مكان!
نسيت أن أقول لكم إن الفيلم يمكن أن تعتبره أيضاً فيلماً سياحياً، فالأحداث ستبدأ في مدينة «نيس» الفرنسية، وستكتشف فيما بعد أنه كان يمكن أن نبدأ من أي مدينة في أمريكا، ولكن المطلوب تغيير الجو لكل الأبطال الأمريكيين، كما أن هناك فرصة للدعاية السياحية للمدينة الفرنسية، وقبل العناوين نكون قد تعرفنا علي عائلة بطلتنا الجميلة «جينفر» ( كاترين هيجل) المكونة منها ومن والدها الطيار الصارم ( توم سيليك) ووالدتها، والثلاثة في إجازة في مدينة «نيس» بعد أن تركت «جنيفر» صديقها المغامر بمجرد أنها ترفض أن تشاركه رياضة تسلق الجبال لأنها تخاف من الارتفاعات الشاهقة، علي الطرف الآخر يظهر بطل الحكاية «سبنسر» ( آشتون كوشتر) كعميل في أحد أجهزة التجسس الأمريكية، مهمته تصفية المعتزلين من الجهاز الذين اعتبروا أعداء بعد أن كانوا أصدقاء، ويضطر التكليف الأخير أن يذهب إلي «نيس» لتصفية أحد هؤلاء بتفجير الطائرة التي يفترض أنه بداخلها. يستمر الخط الرومانسي بالتعارف التقليدي بين «سبنسر» و«جينفر» فالإعجاب فالزواج فقرار «سبنسر» باعتزال العمل رغم تحذير رئيسه له بأن الأمر ليس بهذه البساطة التي يتخيلها، ولكن السيناريو المتواضع نفسه يكشف عن الأمر بهذه البساطة حيث يقفز الفيلم ثلاث سنوات كاملة عاشتها «سبنسر» مع «جينفر» في سعادة وهناء وبدون تهديد، ولا يتذكر جهاز الاستخبارات عملية تصفية «سبنسر» إلا بعد الثلاث سنوات وفي مناسبة الاحتفال بعيد ميلاده!
هناك إذن ثغرتان واسعتان بحجم البحر المتوسط: الأولي مرور هذا الوقت الطويل بين الاعتزال ومحاولة التصفية في الولايات المتحدة، والثغرة الثانية أن «سبنسر» ليس ممن يحملون أسراراً خطيرة، فليس صحيحاً أن الذين يعتزلون من أجهزة المخابرات الأمريكية أو الأوروبية يتم تصفيتهم لمجرد الابتعاد، بل إن بعضهم قاموا بتأليف كتب حافلة بالأسرار الخطيرة، كان يجب أن يكون هناك مجهود لإقناعنا بأن «سبنسر» خطر علي الجهاز الذي كان يعمل معه مما يستلزم تصفيته، والعجيب فعلاً أنه أثبت خلال السنوات الثلاث أنه أنزل الستار علي حياته الماضية، وأنه مجرد زوج سعيد مع زوجته الجميلة، وبالتالي فإنه يستحق أن يعيش في أمان بعيداً عن التهديد.
ولكن صناع الفيلم يريدون الوصول إلي المفارقة بتعرض «سبنسر» للخطر، واكتشاف زوجته المسالمة التي انفصلت عن خطيبها خوفاً من تسلق الجبال أن زوجها الحالي جاسوس سابق مهمته تصفية الخارجين عن الجهاز، وفي هذا الجزء الذي يشغل معظم زمن الفيلم توالت عمليات الاغتيال الساذجة التي يقوم بها جيران الزوجين والمفترض أنهم سيحتفلون بعيد ميلاد «سبنسر» ستسألني: ولماذا يقوم الجيران والأصدقاء بهذه المهمة؟ الإجابة العجيبة هي أن جهاز المخابرات قرر تصفية «سبنسر» نظير مكافأة قيمتها 20 مليون دولار. تخيلوا سذاجة كتاب السيناريو الذين اعتقدوا أن أجهزة المخابرات تقوم بتصفية رجالها السابقين بما يشبه الإعلان في الصحف علي طريقة هذا العرض المقترح: «يعلن جهاز المخابرات الفلاني عن تصفية العميل «سبنسر» القاطن في شارع كذا بمدينة «كيت».. ومن يقتله ويحضر جثته يتسلم مكافأة قيمتها 20 مليون دولار.. التسليم والتسلم في عنوان الجهاز بشارع كذا من الساعة الثالثة حتي منتصف الليل.. نفعونا تجدوا ما يسركم»!!
كان من الواضح أن المفارقة الكوميدية أصبحت في خدمة مشاهد الأكشن التي لا تقدم بصورة كوميدية ولكن بصورة شديدة الخشونة والعنف وكأنه تم تصويرها لتكون جزءاً من أي فيلم أكشن عادي أي أن صناع الفيلم لا يعرفون أنهم يصنعون مزيجاً بين الكوميدي والأكشن.
للأمانة كان هناك مشهد واحد تم فيه تقديم لمسات كوميدية هو المشهد الأول عندما تعود «جنيفر» للمنزل فتجد زوجها يتعرض لمحاولة قتل من صديقه الصدوق، كان المشهد ناجحاً وجيداً لولا أننا لم نعرف لماذا عادت الزوجة إلي المنزل رغم أننا شاهدناها في المنظر
السابق مباشرة وهي في طريقها إلي المطار للسفر إلي «سان فرانسيسكو» في مهمة عمل.
في لحظات كثيرة بدا الفيلم كما لو كان بالوناً منتفخاً وملوناً ولكن بداخله هواء. لا شخصية الزوجة مثلاً تمت دراستها، ولا تستطيع أن تفسر كيف أصبحت فجأة شجاعة تضرب الرصاص، ولا تفهم لماذا لم تترك له المنزل وتهرب خاصة أنها تأكدت من حملها، وحتي عندما تقترح علي الزوج الذهاب إلي منزل والدها يرفض، ويصر علي العودة إلي منزله رغم أن يشك في كل الجيران، وسنعرف أن كل ذلك يستهدف المزيد من مشاهد الأكشن وصولاً إلي مفاجأة الفيلم التي كانت كفيلة لو تمت معالجتها بصورة محترفة بوضعنا أمام كوميديا جيدة، فالأب الصارم والد «جينفر» هو أيضاً عميل سابق ومعتزل، و«سبنسر» جاء إلي «نيس» للتخلص منه ولكنه لم يركب الطائرة التي انفجرت أي أن الأب أيضاً خدع زوجته بادعاء أنه طيار.
حتي هذه المفاجأة لم يتم استغلالها في الكوميديا من البداية، كما أنها بدت غريبة لأنه من المستحيل تكليف «سبنسر» باغتيال شخص لا يعرف صورته، فكيف إذن وافق علي الزواج من ابنته ولم يعرفه؟! القتلة فبركة خواجاتي تؤكد أن الفهلوية ليسوا في بلدنا فقط، ولكنهم في كل مكان مهما تنوعت اللغات والجنسيات!

وصلات



تعليقات