الشوق .. حالة شاذة وصورة مهتزة !

  • مقال
  • 03:22 مساءً - 6 ديسمبر 2010
  • 6 صور



صورة 1 / 6:
روبي/شوق في لقطة من الفيلم
صورة 2 / 6:
سوسن بدر مع سيد رجب في لقطة من الفيلم
صورة 3 / 6:
لقطة من الفيلم تجمع بين بطلاته الثلاث
صورة 4 / 6:
المخرج خالد الحجر مع روبي وكوكي أثناء التصوير
صورة 5 / 6:
سوسن بدر بطلة الفيلم
صورة 6 / 6:
روبي وكوكي/شوق وعواطف

شاهَدتُ فيلم " الشوق"بالأمس ، أثناء عرضه في فاعلياتمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ، وهو الفيلم العربي الوحيد المُشارك فيالمُسابقة الرسمية (!) ، كان يجلس على مقربة منّي المخرجين الكبيرين " محمدخان" و" خيري بشارة" ، وطوال مدة عرض الفيلم كُنت أفكر في الفارق الذي جعلهم يخرجون أفلاماً عظيمة مثل " يوم مر ويوم حلو" أو" أحلام هند وكاميليا" وجعلت مخرجاً مثل خالد الحَجر يخرج فيلماًكـ"الشوق" ، رغم أن تصنيفهم واحد كأفلام تدور حول حياة المُهمّشينوالفقراء ، ومع فوارق كثيرة – لصالح خان وخيري قطعاً - في التقنية والصنعة وفهمالسينما .. فوارق في الإيقاع والبناء والتفاصيل ، وجدتُ أن الفارق الأكبر هو أنهم كانوايدركون فعلاً عن ماذا يتحدثون .. يخرجون أفلاماً عما يعرفونه ، ممتلئة بالحياة رغمقسوتها .. لا تطرد الأحلام مهما ابتعدت ، أفلاماً (جميلة) مهما كان حجم القبح الذيتتحدث عنه ، والمشكلة الأساسية في فيلم خالد الحجر – مع كل مساوؤه السينمائية –أنه فيلم (قبيح) يفتقر لأيّ جمال .

-انتَ بتدافع ؟ / -لأ باهجم / -انتَ بتألف ؟ / -وبترجم
-انتَ سادي ؟ / -ساعات أنا بارجم الهوا وأشهر باللذة !

خالد الحجر يتعمّد أن يغلق منافذ الأمل في كل مراحل فيلمه ، ليصبح فيلماً ضدالحياة ، ملئ منذ لحظته الأولى بالصريخ والبكاء والعويل والكراهية ، يبدأ فيلمهبتمهيد جيّد لأهل الحارة في الإسكندرية التي ستقع فيها الأحداث ، ولكنه ينجرف تماماً بعدذلك مع سيناريو سيد رجب في خيوط شديدة الميلودرامية ، تجاوزها الزمن فعلاً ، عنالابن الذي يحتاج لعملية غسيل لكليته تتكلف "300 جنية" في الجلساتالمتكررة أسبوعياً ، ولا تستطيع أسرته الفقيرة قضاء ذلك ، فتسافر الأم إلى القاهرةلتشحت ! وتعود بثمن الغسلة فتجده ميتاً !! فتقرر العودة للشحاتة من جديد لتكوينالكثير من النقود كي تحمي ابنتيها من الفقر الذي أخذ منها الابن الأصغر وخلال هذاالوقت تنحرف البنتين على مرأى من أهل الحارة !!! ، هل هذه فعلاً قصة فيلم في 2010وليس 1950 ؟!

المشكلة الأخرى أن الفيلم مرتبك أصلاً في تكوينه الفكري وما يُريد قوله ، يطرحهمخرجه باعتباره مناقشاً لقضية الكبت الجنسي .. وهي القضية التي ظهرت على الشاشةبعد ساعة وخمسون دقيقة من الأحداث – أو بالأحرى اللاَّ أحداث- !! ، يعوّل مخرجهالكبت على الفقر .. ولكن أزمة الفقر تُحَلّ بنقود الأم وعندها يبدأ الانحراف ،إذن المشكلة في القهر الذي يمكن أن يحدث في أي طبقة وليس للفقراء فقط ، ولأن كلالمفاهيم لدى خالد الحجر متداخلة ، ولأنه لا يعرف "عالم الحارة" الذييتحدث عنه – وهو المخرج المثقف الذي أحضر تمويل الفيلم من فرنسا بفضل علاقاتهالكثيرة هناك – فإنه يتهته عبر كل مرحلة في الفيلم ولا يريد منها سوى أن تصلبشخصياته إلى مرحلة أكثر سوءً من التي سبقتها ، وكأن هناك لذة في إيذاء الشخصياتوالمشاهد طوال الأحداث .

باكره اللي يرقص وسطه /والليمابيعرفش أرسطو
مش مفيدالناس ينبسطوا ! ، المفيد الناس تتأذّى!

الفيلم كذلك "سيء" سينمائياً ، أطول كثيراً مما يجب ، ساعتين وثُلثنصفهم مثلاً مجرّد مشاهد لـ سوسن بدر في شوارع القاهرة تقوم بالشحاتة ، أو تجلسلتُعَدّد أمام ابنها المريض ، أو تضرب بناتها وسط صرخاتهن ، أو تخبط رأسها فيالحيط وهي تردد بإيقاع هيستيري "هتموتوها يا ولاد الكلب" في مشاهد مزعجةللمُشاهد بسبب قبحها ، لا يوجد مونتاج في الفيلم لأنه بالأصل لا يوجد إيقاع .. أوبشكل آخر "الفيلم ممل" لأن نصف أحداثه يمكن أن تحذف بسبب التكرار ، ولكنالمونتيرة منار حسني لم تأتِ ! ، المشاكل نفسها موجودة بصرياً .. المصور (العالمي !!) نستور كالفو لا يستطيع إضاءة المشهد بشكل جيّد ! ، هناك ضعف واضح في المشاهدالخارجي في الفيلم ، مشاهد كثيرة يبدأها "آوت أوف فوكس" دون أي مبرر أوعلاقة بدراما الفيلم .

في النقاط القليلة المضيئة ، هناك ديكور مميز من " هند حيدر" حاولت منخلاله أن تخلق عالماً للحارة ونجحت إلى حدًّ بعيد ، هناك أداءات ممتازة من الجميع، ربما هي الفرصة الأولى لسوسن بدر لكي تظهر إمكانياتها التمثيلية إلى هذا الحد رغمبعض الافتعال الذي شاب أداءها في لحظاتٍ قليلة ، في مقابل أداءات متوازنة جداً من روبي و أحمد عزمي و كوكي و محمد رمضانوالمؤلف سيد رجب الذي مثّل دور الأب أفضل كثيراً مما كتب الفيلم نفسه ! ، هناك أيضاً بضع لحظات جيّدة تهرب من سياق القبح لتظل غير مُكتملة .. كذلكالمشهد الذي تقوم فيه "عواطف" بَغسل أختها "شوق" ولومها علىمحاولة الإنتحار .. أو الآخر الذي يذهبان فيه للأب لتخبراه أن حسين سيخطب شوق .. أومشاهد شوق وحبيبها حسين والكيميا بينهم ، وكلها مشاهد استطاعت فيها روبي – ذات الملامحالمصرية جداً – أن تمنحها صدقاً واضحاً .

بنهاية الفيلم على شاطئ الإسكندرية في مشهد يجمع بين الشقيقتين "شوقوعواطف" ، تذكرت سريعاً مشهد مشابه على شاطئ الإسكندرية أيضاً يجمع بين"هند وكاميليا" في نهاية رائعة محمد خان ، كم كان الأخير منحازاً للأملوالحياة رغم كل شيء ، وكيف أغلق الخجر كل سبل الحياة أمام شخصياته ليصل بهمللانحراف ، انحزت لأحلام خان بالكامل .. فكرياً وعاطفياً وسينمائياً .. ووجدت نفسيأتذكر بيت من قصيدة عظيمة لفؤاد حداد أردده أمام شوق الحجر: "حالة شاذة .. حالةشاذة ، صورة مهتزة مهتزة" !

  • التقييم : 2.5 من 10
  • المقاطع الشعرية في المقال من قصيدة "حالة شاذة" لـ"فؤادحداد"


تعليقات