​The Savages.. عن الاضطراب الذي يلاحقنا حتى الموت

  • مقال
  • 11:58 مساءً - 31 اكتوبر 2015
  • 1 صورة



​The Savages.. عن الاضطراب الذي يلاحقنا حتى الموت

هل تخيلت نفسك في خريف العمر، غير قادر على حمل جسدك، لا تستطيع الحركة يمينــًا ويسارًا، أو العَدْوْ وسع ما استطعت؟ وهناك على الجانب الآخر من الطريق يراقبك ذلك الشخص الذي تخليتَ عنه منذ سنوات فيأتي ويحملك في لحظات ضعفك؟

حكايات الأسر المُفككة في كل أرجاء هذا العالم الذي يبدو في ظاهره سعيدًا، متسارع الأحداث، إلا أنه بائس في حقيقته وتتشابه أحداثه كثيرًا. فالأسر المترابطة التي قرأنا عنها في الأدب، وشاهدناها على الشاشات عندما كُنا صغارًا لم تعد اليوم هكذا.

"آل سافدج" يحكي واقع الأسرة الأمريكية التي لم تفلت من براثن هذا التفكك الإجتماعي. فحوالي 40٪ من الأسر الأمريكية تعاني من حالات الانفصال وفق الهيئة الأمريكية للطب النفسي1، كما تشير إحصاءات أخرى إلى وقوع حالة طلاق كل 36 ثانية، مما يعني حوالي 2400 حالة طلاق يوميــًا، أي قرابة 876 ألف حالة سنويــًا 2.

وقد تناولت السينما الأمريكية هذه القضية كثيرًا في أفلام عديدة مثل The way we were بطولة بربرا سترايساند و روبرت ردفورد، وفيلم التسعينات الشهير Mrs.Doubtfire للنجم الراحل روبن ويليامز. أفلام كثيرة حول هذه المسألة تنوعت ما بين الدراما والكوميديا. وفيلم اليوم يدور في هذا الفلك الوسيط ما بين الدراما والكوميديا الخفيفة.

The Savages، فيلم أمريكي من إنتاج عام 2007 إخراج تمارا جنكينز، وبطولة لورا ليني و فيليب سيمور هوفمان، يحكي قصة رجل في سن متأخرة يعاني من فقدان الذاكرة وعدم التركيز فيما يسمى علميــًا Dementia، ذلك الرجل المسن ليوناردو سافدج الذي ترك ابنه جون "هوفمان" وابنته ويندي "ليني" وعاش مع صديقته لسنوات عديدة، كما أن والدتهما لم تكن هي الأم الجيدة، فقد تركتهما أيضــًا في سن صغيرة.

الفيلم تعرض لهذه المرحلة من خلال جمل حوارية قليلة، فلا نرى هذه الحكاية بصريــًا لكننا نستوعبها جيدًا خلال أحداث الفيلم، فعلاقة الأبناء المتوترة بوالدهم تظهر منذ بداية الأحداث، فالابن جون الذي يعمل أستاذًا للأدب ويبدو عليه العقلانية والواقعية تنتابه لحظات البكاء في بعض الآحيان عندما يتذكر طفولته المضطربة.

هوفمان البارع دائمــًا في أداء الأدوار الصعبة نجح في إبراز هذه الشخصية المثقفة التي تعيش حياة مضطربة على مستوى الأسرة والعلاقات العاطفية وكذلك أزمة الثقة في عمله.

يحاول أن يتقوقع داخل عمله الأكاديمي وأبحاثه التي تدور حول "برتولد بريشت" أحد رواد المسرح الألماني، وحتى تتفهم حالة التعمق الشديدة لجون في أدب وشعر بريشت نجده في أحد المشاهد يردد إحدى الأغنيات بالألمانية وهي من كلمات بريشت.

علاقته بصديقته البولندية ليست على أفضل على ما يرام، والزواج ليس هو أفضل السبل التي يمكن أن تؤول لها العلاقة في نظره رغم أنه تخطى الأربعين من العمر.

أما ويندي، كاتبة مسرحية مغمورة، ترغب في النجاح، الاضطراب لم يتركها أيضــًا، وحيدة، تحاول أن تملأ وحدتها بوجود كلبة في حياتها اسمها "مارلي"، ولأن حياتها الجنسية ليست أفضل ما يكون، فلم تجد أمامها سوى أحد زملائها في العمل والذي يكبرها بثلاثة عشر عامــًا، ومتزوج، حتى تمارس معه الجنس فتصبح حياتها أقل ضغوطــًا.

تشعر أنها لم تنجح في أي شيء، فحتى المسرحيات التي تكتبها لا يهتم أحد بنشرها، وكلما حاولت أن تحصل على منحة تفرغ من أي مؤسسة للتركيز على الكتابة الأدبية، تُرفض. وكعادتها لورا ليني، تستطيع أن تأسرك بطلّتِها البهية، وجمالها الآخاذ وأدائها الصادق.

أما الأب ليوناردو سافدج " فيليب بوسكو"، الذي يعيش مع صديقته منذ أكثر من عشرين عامــًا حتى توفت، لم يجد مكانـًا يؤويه وهو مريض، والأبناء كادوا أن ينسوا أن لهم أبــًا، فعندما ظهر الأب في المشهد لم تكن المسألة سهلة. هذا الشعور المتناقض ما بين الحب والنقمة، التسامح والغضب في منتهاه، فالأب الذي تخلى عنا في الصغر، ولم يلتفت إلينا طرفة عين، يعود الآن وهو مريض، ولا يتذكرنا حتى، وعلينا أن نحمله على أكتافنا ونحمل همومه وشيخوخته على أرفف همومنا الشخصية.

ويندي أكثر حُنوًا على والدها الذي ينساها كثيرًا ويظنها أحيانــًا ممرضة، أما جون فيبدو أكثر قسوة أو بمعنى أدق أكثر جمودًا، فهو لا يرى أن مساعدة والده يجب أن تزيد عن وضعه في دار رعاية مسنين، فكلاهما غير قادر على تحمل مرض أبيهما، وكذلك لا يستطيعان أن يضعاه في دار مسنين خمس نجوم، ففي النهاية دور الرعاية الخاصة بالمسنين التي تبدو مفعمة بالحيوية في بناياتها وأشخاصها وخدماتها ليست سوى محاولة لتجميل الموت قبل وقوعه.

ولعل هذا من المشاهد المميزة للغاية التي تجمع هوفمان ولورا ليني، فمحاولة الابنة أن تجعل حياة والدها أكثر يسرًا في أحد دور الرعاية الشهيرة من خلال إعلانات التلفاز، قُوبلت بتحليل فلسفي مناهض من الابن الذي يرى أن هذه الدور ما هي إلا استنزاف للمسنين ماديـًآ وكذا عائلاتهم، والموت في النهاية قادم لا محالة.

علاقة الأخ بأخته كذلك لم تخلُ من الاضطراب، فكلاهما يعمل في عالم الأدب، وإن كان الأخ أكثر أكاديمية، فقد حاول أن يقدم على نفس المنحة التي قدمت عليها أخته، لكنه لم يُقبَل لست مرات، ويُصاب بالذهول وربما الإحباط عندما تخبره أخته كذبــًا أنها قُبلت في هذه المنحة.

تشعر ويندي أن أخاها يحقد عليها، لكن جون يؤكد لها أنه سعيد بذلك الأمر، وعندما يعلم جون أن أخته لم تحصل على المنحة يصارحها بالأمر موضحــًا لها أنها تحاول أن تهرب من خلال الكذب من الفشل في حياتها.

الفيلم أمريكي بامتياز، فقد حاولت المخرجة طوال الوقت أن تظهر الثقافة الأمريكية سواء من خلال نوستالجيا السينما مثل الحديث عن فيلم The Wizard of Oz أو فيلم The Blue Angel أو عرض كلاسيكيات السينما الصامتة مثل فيلم The Jazz Singer، كذلك الأغاني الموجودة في الفيلم كثيرًا ما تعكس هذا الحنين لكلاسيكيات الأغنية في الولايات المتحدة مثل You make me feel so young وCheek to cheek.

ونجاح الفيلم هنا يأتي من كونه لا علاقة له بالصورة النمطية للسينما الأمريكية الهوليودية، فالقصة بسيطة، عن البشر واضطراباتهم ومحاولاتهم للنهوض مرة أخرى بعد العثرات، فجون وويندي كانا يعلمان أن والدهما سيفارق الحياة أمام عينهما لكن حياتهما لم تتوقف بعد رحيله.

المصادر
1
_ 1 http://www.apa.org/topics/divorce/
2_ link

وصلات



تعليقات