أرض الأحلام.. فيلم لم تشفع له أسماء صناعه اللامعة

  • نقد
  • 07:11 مساءً - 1 فبراير 2021
  • 4 صور



أحيانًا ما تكون الأسماء الكبيرة سببًا في أزمةٍ حقيقية لدى الجمهور، فعندما يشاهد المُتفرج فيلمًا صنعه فنانون لهم تاريخ متميز في عالم السينما، فإنه في الغالب يفتقد للموضوعية في تقييمه للفيلم، بسبب تأثير تلك الأسماء اللامعة عليه، فيُقبل على مشاهدة الفيلم وقد أبدى رأيه فيه مقدمًا وقبل أن يشاهد منه مشهدًا واحدًا! وحتى عندما يشاهده ولا يعجبه فإنه يخشى التعبير عن رأيه السلبي فيه، ولا يتوقف الأمر على الخوف من الآخرين فقط، بل إنه يخاف من نفسه أيضًا، فيُعرب بينه وبينه نفسه عن عدم إعجابه بالفيلم ولكنه يتراجع سريعًا ويلوم نفسه بشدة، بل ويعتذر عن هذا الرأي، ثم يجلس مع أصدقائه سواء الحقيقيين أو الافتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي ويعبر عن إعجابه الشديد بالفيلم الذي صنعه نجوم وعلامات مضيئة في تاريخ السينما.

لا أستطيع أن أنكر أنني وقعت فريسة لهذا التفكير السلبي لوقتٍ ليس بالقصير، إلا إنني حذرت نفسي من التفكير بتلك الطريقة قبل أن أشاهد فيلم (أرض الأحلام) الذي قامت ببطولته النجمة الراحلة فاتن حمامة وبجوارها الفنان المتميز يحيى الفخراني، تحت قيادة المخرج الكبير داوود عبدالسيد، في سيناريو كتبه هاني فوزي في أول تجاربه للسينما، عام 1993.

تدور أحداث الفيلم حول نرجس (فاتن حمامة) التي توافق مضطَّرة على الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية تلبيةً لطلب من ابنها الطبيب مجدي (هشام سليم) وابنتها المذيعة آمال (علا رامي)، وتجد نرجس نفسها في ورطةٍ كبيرةٍ بعد أن فقدت جواز سفرها قبل موعد الطائرة بساعاتٍ قليلة لتبدأ رحلة البحث عنه، في ليلة رأس السنة، ويساعدها في ذلك الساحر رؤوف حبشي (يحيى الفخراني) الذي كانت قد صدمته بسيارتها في صباح نفس اليوم.

يبدأ الفيلم على مشهد لنرجس واقفةً أمام المرآة وترتدي الشعر المستعار (باروكة) وتستمع لشريط كاسيت لتعليم اللغة الإنجليزية، ونعرف في المشهدين الرابع والخامس أنها ستهاجر إلى الولايات المتحدة على الطائرة التي ستقلع يوم 2 يناير، حيث يقول لها ابنها: - ماما.. خلاص انتِ مسافرة بعد بكره.. انتِ وآمال دلوقت هتروحوا تأكدوا الحجز.. وأنا هسيب لك العربية النهارده بالليل عشان بكره الصبح تقضي بيها مشاويرك.

وينزل تتر بداية الفيلم الذي ما إن ينتهي حتى نرى مشهدًا لمجدي وزوجته (حنان سليمان) وهما يستيقظان الساعة السابعة صباحًا على صوت جرس الباب لنرى الأم نرجس التي تشكو له من الإرهاق. ونفهم وفقًا للتسلسل الزمني والحوار أن ذلك اليوم هو 1 يناير 1993، لأن مجدي قال لوالدته في اليوم السابق "انتي هتسافري بعد بكره- 2 يناير". كيف يكون يوم 1 يناير وفي نفس الوقت احتفالات رأس السنة التي من المفترض أن تكون 31 ديسمبر؟.

اعتمد السيناريست هاني فوزي على طريقة سيئة جدًا لتوصيل المعلومات للمُشاهد، فظهرت نرجس من بداية الفيلم وهي تتحدث مع نفسها بصوتٍ مسموع وتعبر عن عدم رغبتها في الهجرة ومشكلتها في تعلم اللغة الإنجليزية، مع أن تلك المعلومات لم تكن بحاجة إلى المزيد من التوضيح بعد مشهد شريط الكاسيت ومشهد تحديد ميعاد السفر.

ولم يكتف السيناريست بتلك الطريقة السيئة، فقد اعتمد في مشهدٍ آخر على أن تقول شخصيات الفيلم لبعضها معلومات تعرفها، فشاهدنا في الدقيقة 14 من الفيلم، نرجس وهي تجلس مع صديقاتها ويدور بينهن الحوار التالي: نادية: وانتي يا روحية طول عمرك كان نفسك تتجوزي ظابط. روحية: أيوه فعلًا يا نادية.. وانتِ كمان كان نفسك في.. نادية: وكيل وزارة.. مش عارفة ليه!. يمكن لأن بابايا طول عمره كان نفسه يبقى وكيل وزارة وماعرفش.. وانتي يا صباح فاكرة ابن الجيران اللي كان بيغني لك أغاني فريد الأطرش وحكاياتك عنه؟ صباح: طبعًا ودي حاجة تتنسي! وتسأل نادية صديقتها نرجس: نادية: بس انتِ يا نرجس عمرك ما حكيتي لنا عن حلمك! نرجس: أنا ماكنش عندي أحلام.. أنا اتجوزت وخلفت والراجل مات وقعدت أكبَّر في العيال.. ده أنا ساعات كنت أسمعكوا تقولوا ده إحنا سهرنا للصبح.. ياما كان نفسي الحكاية دي أعملها.. أسهر للصبح.. إنما بصيت لاقيت الوقت فات كده وماسهرتش للصبح.. ومابقاش في وقت لحاجة بقى.

وإذا تحدثنا عن الطريقتين السابقتين لتوصيل المعلومات، فلا يمكن أن نوصفهما إلا بأنهما من أسوأ الطرق على الإطلاق. وإذا كان السيناريست هاني فوزي مبتدئًا في ذلك الوقت، فإن خبرة المخرج داود عبدالسيد كانت كافيةً لمعالجة تلك الثغرات في السيناريو، إلا أن ذلك لم يحدث، فقد أضاف داوود عبدالسيد عيوب أخرى للفيلم رغم تقديمه للقطات جيدة من حيث التكوين.

ولأن عمل المخرج لا يقتصر على أحجام وزوايا اللقطات، فيمكن أن نصف إخراج الفيلم بالضعيف، لسببٍ بسيط.. أحداث الفيلم تدور في ليلة رأس السنة، حيث البهجة والاحتفالات الصاخبة التي كانت يمكن أن تصنع حالة تناقض مميزة مع حالة نرجس التي كانت تائهة وقلقة ومرتبكة طوال الوقت وهي تبحث عن جواز السفر، إلا أن المخرج لم ينجح في نقل أجواء الاحتفالات المُبهجة، فقد اكتفى بمشاهد للساحر (رؤوف) وهو يقدم عروضه ببعض الفنادق، ومشهد لشباب مخمورين، وآخر لشباب يرقصون، في الشارع، وهو ما لم يكن كافيًا لكي يعيش المتفرج في أجواء احتفالات رأس السنة. فظهرت تلك الليلة باردة وكأنها ليلة عادية جدًا.

وإذا كان السيناريو ضعيفًا والإخراج ضعيفًا، فمن الصعب أن يكون أداء الممثلين جيدًا، فعن نفسي لم أتعاطف مع نرجس التي ظهرت في كل مشاهد الفيلم تقريبًا، لكي تكون سببًا في شعوري بالملل، خاصة أنني لست من هواة مشاهدة أفلام البطل الواحد. ظهور شخصية نرجس في كل مشاهد الفيلم تقريبًا جعلني أشعر وكأن باقي الشخصيات مجرد (كومبارسات) لا أهمية لوجودها، فلم أتعاطف أو أكره أي شخصية، وأُصبت بالتبلد في المشاعر ولم أعد مهتمًا بما أشاهده ع الشاشة، إلا إنني كنت مضطرًا لاستكمال أحداث الفيلم حتى أستطيع تقييمه.

لقد قدمت النجمة الكبير فاتن حمامة أفلامًا أفضل بكثير من هذا الفيلم، مثلما قدم داوود عبدالسيد، مثلما قدم يحيى الفخراني، وكل منهم له تاريخ سينمائي مميز يكفي لاعتبارهم من نجوم عالم السينما، إلا أن ذلك لم يشفع لهم بالنسبة لي لكي أستمتع بمشاهدة (أرض الأحلام).




تعليقات