ورق التوت.. انكشاف الذات ومواجهة الواقع

  • نقد
  • 08:38 مساءً - 12 ديسمبر 2023
  • 1 صورة



عندما يقال سقطت ورقة التوت يكون كناية عن انكشاف شيء لم يكن مكشوفًا أو المقصود به كشف الستر عن شيء ليس معروفًا أو كان مختبأ، هذا التعريف كان من الأقوال المأثورة ولقد عُرف ورق التوت منذ قديم الأزل، فقبل أن يتم اختراع الملابس كان يقوم الإنسان بستر نفسه بورق التوت، ومن هنا جاء اسم مسلسل ورق التوت لأن فكرته مبنية على هذا المعنى من خلال جميع أبطال العمل، والذين كان كل منهم مختبأ داخل نفسه عاجزًا عن مواجهتها، بالتالي قرر كل منهم أن يعيش في عالم آخر. تدور أحداث المسلسل حول مجموعة من الشباب يلتحقون بأكاديمية الفنون المسرحية، ولكل منهم قصة، ولقد قرر صناع العمل أن يكون المسرح هو محور الأحداث، لأنه في هذه الحالة يمثل الحياة، وكما قال الفنان يوسف وهبي في أحد أفلامه ما الحياة الدنيا إلا مسرح كبير، وهذا بالفعل صحيح لأن كل فرد في الحياة يمثل دورًا في الحياة بشكل معين ويكون جزءًا منها بجميع مصاعبها ومتاعبها وصراعاتها، ومثلما قيل في آخر حلقة إن حياة كل إنسان منقسمة إلى نصفين، أحدهما مفروض عليه بحسب ظروفه الاجتماعية ونشأته، والنصف الآخر هو الحلم الذي يسعى الإنسان لتحقيقه، من خلال هذه الفكرة يتضمن العمل عدة قضايا مجتمعية مهمة من خلال عدة شخصيات أغلبها من الطبقات الفقيرة والمهمشة، لنبدأها بشخصية أسماء جلال، والتي تعمل كودية زار تمثل الصراع الأزلي بين الجهل والعلم والمعتقدات والموروثات القديمة التي لا يزال الكثير من الناس متمسكين بها مع كل التقدم، ويتناول العمل الكثير من التفاصيل في هذا السياق ليعود بنا إلى سؤال مهم قُتل بحثًا في الكثير من الأعمال؛ هل كل من يتوجهون إلى الدجالين والمشعوذين هم مصابون بالمس أم مرضى نفسيون يعانون انفصامًا؟ بينما أضاف المخرج حسام علي في أحد مشاهد الزار نبذة من حلقة الذكر لمجموعة من الصوفيين بشكل متوازٍ وموسيقى تصويرية مبدعة بالإضافة إلى أن شخصية أسماء جلال نفسها بها أبعاد كثيرة، فهي تعيش حياة مزدوجة بين ارتباطها وانغماسها في عالمها الخاص مع أسرتها وبين رفضها لممارسة كل التقاليد التي عانت منها معهم ورفض تكرارها مع شقيقتها الصغرى، والتي تمثل جميع أنواع القهر التي تعاني منه المرأة مثل الختان والزواج والإنجاب المبكر الذي أدى إلى وفاتها في النهاية، تليها شخصية ثراء جبيل، والتي تمثل شريحة كبيرة من البنات اللواتي يعانين من التمييز الشديد بين الرجل والمرأة في المناطق الشعبية، بداية من العنف الشديد والقسوة التي تتعرض لها من شقيقها الأصغر، والذي أصابها إصابات بالغة، ففي إحدى المرات أدى بها إلى دخول المستشفى، مرورًا بالقيود المفروضة عليها وحرمانها من الالتحاق بمعهد السينما أو إجبارها على الزواج من شخص لا ترغبه. وعلى الجانب الآخر نجد شخصية آية سليم، والتي تمثل طبقة اجتماعية مختلفة؛ فوالدها من الأثرياء، ولكنها تعاني من نفس الضغوط النفسية نتيجة لسيطرة والدها على جميع تفاصيل حياتها ومعاملتها كدمية يحركها مثلما يريد، الأمر الذي أصابها بمرض الرغبة في تدمير الذات، حتى اضطرها الأمر إلى الالتحاق بأكاديمية الفنون دون علم والديها. ومن أهم شخصيات العمل أيضًا خالد أنور ابن البواب الذي يعيش حياة قاتمة مع أشقاء كثيرين في غرفة واحدة، والذي يعاني بشكل كبير من الحقد الطبقي بالإضافة إلى هواياته مثل التنصت على هواتف المحيطين به وانفراده لممارسة بعض الرقصات الفردية في غرف معزولة على المسرح، وبالنسبة للفنان السوري طارق عبيد الذي افتعل هو الآخر عالمه الخاص بالبحث عن شقيقته المفقودة بعد اندلاع الحرب في سوريا، لدرجة أنه يستعين بفتاة سورية أخرى لتعويضه عن إحساسه بشقيقته ليتضح في النهاية أنها ماتت غرقًا أمام عينيه. نجح المخرج حسام علي في توليف نهاية المسلسل على مدار حلقتين بشكل متوالٍ، أولاهما عندما قام كل شخص منهما بمواجهة نفسه والتصالح معها وأخذ حقه بنفسه، أما الحلقة الأخيرة فكان من الضروري أن تكون على خشبة المسرح مثلما بدأت الأحداث، حيث مزج بين الحقيقة والتمثيل في حياة كل منهم، فبعضهم جاءت نهايتهم سعيدة وآخرون جاءت نهايتهم مفتوحة.

وصلات



تعليقات