Sully.. تشريح عمل بطولي

  • نقد
  • 09:35 مساءً - 29 سبتمبر 2016
  • 1 صورة



Sully

من أكثر التعليقات التي لاحظتها من حيث الانتشار، هي تلك المقارنة التي عقدها عدد ليس بالقليل من المشاهدين بين فيلمي Flight للنجم دينزل واشنطن، وآخر أفلام المخرج اﻷمريكي كلينت إيستوود، sully، الذي تعاون من خلاله للمرة الأولى مع النجم توم هانكس، والتي وصلت لدرجة التشبيه بينهما لمجرد أن كلا الفيلمين يتناول حادثة طائرة، وهو أمر غريب ولا يضع في اعتباره على اﻹطلاق اختلاف الحالة السينمائية لكل منهما.

ينطلق "Sully " من واقعة حقيقية حدثت في نيويورك في عام 2009 حين تعطلت الطائرة التي كان يقودها الكابتن شيسلي سولنبرجر الشهير بـ"سولي"، بسبب اندفاع مجموعة من الطيور نحو المحركات، مما دفع بالكابتن إلى الهبوط اضطراريًا في نهر هادسون ونجاة جميع الركاب على متن الطائرة والبالغ عددهم 155 راكبًا بدون أية خسائر في اﻷرواح، مما حوّله على الفور لبطل قومي.

لا شك أن هذه القصة مغرية بشدة لتقديمها على شاشة السينما ليس فقط للبُعد البطولي، وإنما للبعد الوجداني الذي تحمله في كوامنها، فالواقعة حدثت في نيويورك، وبعد سنوات قليلة جدًا من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مما منح شعورًا ولو بسيطًا بالطمأنينة وجبران الخاطر لقلوب ملايين اﻷمريكيين، فمن يستطيع نسيان مشاهد الطائرات وهى تقتحم أبراج مركز التجارة العالمي، وجرعة الرعب والذعر التي تبعت ذلك، وهو ما يشير إليه أحد رجال الفندق -ضمنًا داخل الفيلم- متحدثًا لـ"سولي" حول أن هذه المدينة لم تشهد حدثًا إيجابيًا منذ سنوات كهذا، خاصة مع وجود طائرة في القصة، وأعتقد أنه لذلك لم يكن عرض الفيلم في سبتمبر من قبيل الصدفة أبدًا، وكأنها محاولة وجدانية لمحو أو تجاوز الذكرى السيئة بذكرى أخرى إيجابية.

بالنظر إلى البناء السردي للفيلم، لن يجد المشاهد الفطن صعوبة في اكتشاف قلّة اﻷحداث التي تحرك الفيلم، فالفيلم يكاد ينقسم بالكامل في أحداثه بين واقعة الهبوط بالطائرة في نهر هادسون وردود الأفعال عليها وبين التحقيق مع "سولي" ومساعده حول الواقعة، وهى المسألة التي كانت ربما لتتحول إلى عيب في أي فيلم آخر، لكن هذا التركيز حول الواقعة والتحقيق فيها هو أمر مقصود حتى لا يشتت مشاهديه بعيدًا عن وحدة الحدث والجرعة الشعورية التي يبثها نحو خطوط فرعية قد لا تضيف شيئًا للحكاية الرئيسية ذات المركزية الكبرى في الفيلم.

هناك حيلتان موفّقتان جدًا يلجأ إليها السيناريست تود كومارنيسكي، ليتغلب بها على أية رتابة قد تنتج عن قلة اﻷحداث في الفيلم، وهى عرض حادثة الطائرة من أكثر من منظور، حيث نراها من داخل كابينة الكابتن، ومن بين مقاعد الركاب، مما جعله حدثًا ملموسًا أكثر وقريبًا للغاية من الواقعة الحقيقية.

أما الحيلة الأخرى، فهى أنه لم يقصر التركيز في جميع مشاهد الحادثة على "سولي" ومساعده، بل صار جميع من كانوا شركاء في الواقعة هم أيضًا أبطال، مما دفعه إلى خلق خطوط درامية فرعية تصب جميعها في نفس المجرى، وتعمل أكثر فأكثر على الاقتراب من معايشة الواقعة من وجهات نظر متعددة.

وعلى الرغم من أهمية واقعة الطائرة، إلا أن الفيلم يحافظ طوال الوقت على بساطة عرضها داخل الفيلم دون اﻹفراط في تقديم جرعة شعورية مبالغ بها، كي لا يحوّل اﻷمر لحدث ملحمي بالغ الضخامة، فاﻷهم لدى "إيستوود" أكثر هو أثر الواقعة في النفوس.

أما عن المزاج البصري للفيلم، فهو لا يبتعد كثيرًا عن المزاج البصري المفضل لكلينت إيستوود في أغلب أعماله، حيث اللجوء إلى التلاعب بمساحات الظلال باﻹضافة إلى سطوة الدرجات الشاحبة من اﻷلوان الرئيسية، فيبدأ الفيلم بسيطرة الظلام كاملًا على وجه "سولي" لدى صحوته من النوم مفزوعًا، كما تتفاوت مساحة الظل هذه على مستوى الصورة بالتماشي مع المصير المجهول لـ"سولي" إذا كان سيستمر في الخدمة أم لا مع سير التحقيقات.

وعلى غير المتوقع يعيدني "Sully" للاهتمام مرة أخرى بما يقدمه كلينت إيستوود للسينما، بعد فقدان هذا الاهتمام في السنوات اﻷخيرة، ربما ﻷنه وجد في هذه القصة الكثير مما يتماسّ معه شعوريًا كما يجب.



تعليقات