"House of Gucci" ... إرث يستحق الضياع

  • نقد
  • 09:29 مساءً - 13 ديسمبر 2021
  • 5 صور



"يُوفر العالم ما يكفي لتلبية احتياجات الإنسان، ولكنه لا يحتوي على ما يكفي جشعه." - مهاتما غاندي

قدم المخرج ريدلي سكوت في "House of Gucci" مغامرة سينمائية كبيرة في مسيرة أي مخرج يمتلك تاريخًا مماثلًا، والعمل هو التجربة الثانية له خلال العالم الحالي بعد فيلمه الأول "The Last Duel". عادة ما تُشبه تجارب السيرة الذاتية شخصًا يركض رفقة فريقه المربوط خلفه على إحدى الحبال التي تربط بين بناياتين، إذا سقط سقط الجميع وإذا نجح كان لفريقه الحظ مثله، وفي تجربة بيت جوتشي وقف سكوت رفقة فريقه دون أي تقدم، سار قليلًا وأصاب، وتوقف كثيرًا فأخفق، وصل إلى النهاية وفريقه برحلة أشبه بالارتقاء والسقوط معًا.

تدور أحداث العمل حول الصراع التاريخي لعائلة جوتشي الإيطالية، متمثلة في ماوريتسيو جوتشي وصعوده على قمة أعمال العائلة في مجال الموضة، والخطة التي رسمتها زوجته السابقة باتريسيا ريجيني وصولًا إلى مقتله وسقوطها إلى الهاوية. لعنة أصابت كل من حملها على لسان بطلة العمل وهي أن تكون من آل جوتشي.

المشاهد الافتتاحية للعمل كانت مميزة للغاية، خاصة باختيار باتريسيا ريجيني للأداء الصوتي بمقدمة العمل باعتبارها الوحيدة على قيد الحياة تقريبًا من أبطال القصة الأساسيين، وبتقدم الأحداث بدأت علاقتها المُظلمة في الظهور على السطح وخطتها بالتقرب من مارويتسيو جوتشي حلمًا منها بالوصول إلى المجد وحمل اسم جوتشي بل وإرث العائلة بأكمله يومًا ما.

انقسم العمل إلى ثلاثة فصول، الفصل الأول بتقديم الشخصيات الرئيسية والعلاقة العاطفية التي جمعت بين ريجيني وجوتشي، بجانب علاقتهما بألدو وابنه باولو. الفصل الثاني من العمل كان عنوانه الطمع والجشع الذي ظهر على الزوجين برغبتهما في اعتلاء قمة وعرش العائلة والسيطرة على كافة الممتلكات الخاصة بها، بينما قدم الفصل الثالث انهيار العلاقة بين الزوجين وصولًا إلى نهايتهما المأساوية ونهاية صلة العائلة بماركة جوتشي العالمية التي لا يوجد أي من أفراد العائلة في إدارتها منذ التسعينات وحتى وقتنا هذا. كان الفصل الأول من العمل مثاليًا، فقدم الأحداث بعناية وإخلاص مع إيقاع سريع يُفيد العمل ويضع المشاهد ف قلب الأحداث، وعلى النقيض اختفت الأجواء الحماسية والإثارة في الفصل الثاني الذي كان أشبه بمعركة متوقعة الأحداث في بعض الأحيان، بينما جاء الفصل الأخير متوازنًا قليلًا ما بين الجيد والمتواضع مع خاتمة لائقة ربما أنقذت العمل قليلًا من قائمة الأعمال المخيبة للآمال لهذا العام. جاءت النهائية مرضية لكافة الشخصيات، وإن كنت لا أرى أن الغرور أو حتى الطمع يستحق صاحبه القتل، ولكن تبقى النهايات لكافات الشخصيات الأخرى مرضية للمشاهد، فكان إرث العائلة غير مستحق وانتقاله للغرباء أمرًا منطقيًا بالنهاية.

اعتمد سكوت على بعض العناصر والأفكار المشابهة لأعمال سابقة سواء انتمت إلى السيرة الذاتية أو الخيال، ولعل أبرزها البناء الدرامي لشخصية ماوريتسيو جوتشي والذي كان أشبه بلوحة مقتبسة من شخصية مايكل كورليوني الشهيرة التي ظهرت في ثلاثية "The Godfather"، الشخص ضعيف الشخصية الذي يحاول دائمًا الهرب من مسؤوليات عائلته بصفاتها السيئة، وصولًا إلى انقلاب الأمور وصعوده على رأس عائلته، وفي الحقيقة البناء لهذه الفكرة من سكوت أصابه بعض الكسل ففي بعض المشاهد نرى ماوريتسيو بشخصيته الأليفة وفي قفزات سريعة غير محسوبة نراه شخصًا آخر لا يرحم من حوله. في لقاء صحفي مع بطلة القصة الحقيقية باتريسيا ريجياني صرحت أن زوجها تغير تمامًا في سنواتهما الأخيرة، وهو أمر مقبول ومتوقع وسط هذا الكم من الشر والطمع، ولكن كان من الممكن تقديم ذلك في العمل بصورة لائقة عن ما ظهرت الفكرة به خلاله.

جسد آدم درايفر شخصية ماوريتسيو ببراعة، وهو الشخص ضعيف الشخصية الغير جدير بالإدارة، والذي يسقط في فخ زوجته فيترك عمله الوحيد الذي شعر خلاله بالسعادة بشركة والدة زوجته وينطلق منفذًا لخطتها ودون أن يدري لحلمها بأن تصير باتريسيا جوتشي، كان درايفر الاختيار الأمثل للشخصية وفقًا للصورة النهائية التي ظهر بها العمل. تستمر ليدي جاجا في رحلة صعودها بمجال التمثيل، فبعد تجربة في رأي لم تكن مثالية بفيلم "A Star Is Born "، ظهرت جاجا بشكل أكثر تميزًا خلال العمل، ومقارنة ببعض المشاهد الأرشيفية والوثائقية الخاصة بباتريسيا ريجياني نرى كيف تمكنت جاجا من تقمص الشخصية في طريقة التحدث واللكنة الإيطالية في ثوبها الإنجليزي، بجانب ذلك كانت بعفويتها إضافة كبيرة للعمل، فوقًا لتصريحات سكوت أجادت جاجا في الكثير من المشاهد بالارتجال وعلى سبيل المثال جملة "Father, Son, and House of Gucci" والتي كانت ملائمة بشكل لا يصدق وتُثبت مدة إتقانها لشخصيتها.

من الأشياء المبهجة للمشاهد هي بالطبع رؤية آل باتشينو من جديد على الشاشة، وعلى الرغم من قلة أدواره الهامة في السنوات الأخيرة باسثتناء فيلم "The Irishman"، يعود الممثل الأمريكي ذو الأصول الإيطالية مجددًا بواحدة من أدواره المميزة، في واحدة من أفضل شخصيات العمل على الرغم من قلة مساحتها في الدور عكس باقي الشخصيات، ولكنها تدفع المشاهد دائمًا لانتظارها على الشاشة، ولا شك أننا قد نراه في هذا العام منافسًا بفئة الممثل المساعد في مختلف حفلات الجوائز. من ضمن النقاط التي اعتبرت محل خلاف كبير في العمل هو أداء جاريد ليتو بشخصية باولو جوتشي، والتي أظهر من خلالها مدى غباء وسذاجة الشخصية وكيف تلاعب به ماريتسيو وزوجته، فالبعض انقسم حول الأداء ما بين الإشادة أو النقد بسبب المبالغة في تجسيد الشخصية بهذه الصورة، وهي في الحقيقة وإن كانت مشكلة حقيقة فالنقد الأكبر من المفترض أن يكون للمخرج أولًا ثم النص، ولكن قد يختلف البعض حول هذه الفكرة بسبب أن الشخصية من الأساس من المفترض أن تكون مزعجة ومسببة للمتاعب لمن حولها، ظهور ليتو خلف كل هذا الكم من المكياج كان شيئًا غريبة وبصورة كانت أشبه في بعض الأحيان وأننا نشاهد ستيف كارل في الشخصية وليس ليتو، ولكن يبقى الأمر الإيجابي هو اختلاف الشخصية تمامًا عن طبيعة أدواره الماضية وهي نقطة تُحسب له وسط بعض السلبيات، وربما الشيء الأسوء كان اللكنة الخاصة به والتي ظهرت بنغمة من البارودي الساخر والغير مقنع في بعض الأحيان، وكأن المشاهد يستمع إلى شخصيات فيديو الرسوم المتحركة الكوميدي الشهير "That's not how you hold a pistol". ولكن في الحقيقة ظهور شخصيتي ألدو باولو معًا على الشاشة كان أمرًا رائعًا وكوميديًا إلى أبعد الحدود، حيث امتلك الثنائي كيمياء خاصة انتزعت الابتسامة من المشاهد بسلاسة.

تميز العمل في تصميم الأزياء بشكل كبير، بجانب الديكورات التي تُحاكي هذه الحقبة من تاريخ العائلة، كل هذا الكم من الإنتاج وسط أغاني بمزيج منا بين الأجنبي والإيطالي جعلت التجربة البصرية والسمعية جيدة للغاية، وستضع العمل بلا شك في الترشيحات الرئيسية لهذا العام في مجال الديكور والأزياء.

"House of Gucci" تجربة غير مناسبة للمشاهدة العائلية، ولكنها تستحق المشاهدة في المجمل، لم تكن على قدر التطلعات والتوقعات بمشاهدة تحفة سينمائية في عالم السيرة الذاتية، ولكنها تظل محاولة بعيدة عن الملل على الرغم من طول المدة الزمنية للعمل، ولكن يبقى لصناع الأعمال الحق في تحديد المدة الزمنية لقصتهم طالما كان هناك المجال للمضي قدمًا في حكايتهم. لم ينجح سكوت بشكل كبير في إخراج تحفة فنية، ولكنه قدم عملًا لا بأس به وتجربة كانت ستكون مختلفة تمامًا لو وافق مارتن سكورسيزي على إخراج العمل.




تعليقات